وكذلك ظهر في المذهب الحنفي متكلم أقل شهرة من
الأشعري ؛ لكنه فعل نفس الفعل، وهو:
أبو منصور الماتريدي ، أي ظهر في
بلاد ما رواء النهر في القرن الرابع، وهو الذي أظهر بين الحنفية علم الكلام، وأن المذهب الصحيح: أن الإيمان هو التصديق، فـ
أبو حنيفة يقول: الإيمان: هو التصديق والإقرار، وهذا يقول: لا؛ الإيمان: هو التصديق، أي: كما قال
الأشعري ، وكما قال غيره، وأما الإقرار فهو ركن؛ لكنه ركن زائد وليس ركناً أصلياً، فلم يكتفوا بتأويل القرآن والحديث؛ لكنهم أخذوا أيضاً يؤولون كلام أئمتهم؛ ليوافق ما قرروه في القواعد الكلامية، وقد صرح بذلك
الكمال بن الهمام وغيره، وأصبحت الكتب المتأخرة من كتب
الماتريدية ككتب
الأشاعرة تصرح بأن قول: لا إله إلا الله والإقرار بها نطقاً؛ ما هو إلا دلالة فقط، وعلامة على وجود الإيمان، فهو إما أن يكون ليس ركناً، أو أنه ركن زائد وليس بأصلي، أو أنه مجرد علامة، أو أنه شرط، فاختلفت عباراتهم ومؤدى الجميع أن الإيمان الحقيقي هو التصديق فقط، وأما ما عدا ذلك فليس داخلاً في الإيمان، فأصبحوا في الحقيقة جزءاً من
المرجئة الغلاة ، و
المرجئة الغلاة هم الذين يقولون: إن الإيمان هو ما في القلب، ثم قال بعضهم: هو التصديق، وقال بعضهم: المعرفة وهم
الجهمية .إذاً: نقل متكلمة الحنفية المذهب إلى مذهب كلامي، فأصبحوا
جهمية ، فابتعدوا كثيراً ليس فقط عن مذهب السلف، بل وعن المذهب الذي كان قدماؤهم يقررونه ومنهم
الطحاوي ، فـ
الطحاوي جعل الإيمان ركنين: التصديق والإقرار، فهم أولوا الثاني ليتفق مع الأول.